لك الله يا أقصى
لك الله يا أقصى تقنعت باكياً وكل صناديد الرجال أسير
بكيت وأيدي الجاهليات عليك تلتقي وعجل السامري يخور
يدير رحاها ألف كسرى وقيصر وألف حيي للمدير مدير
إنها كلمات صدق نطق بها شاعر مسلم وطني صادق لخص فيها مأساة الأقصى الأسير، الذي يبكي وحده في صمت مطبق، ولا يجد من يكفكف دمعه ويجفف مآقيه ويعيد إليه ابتسامته، فكل رجاله وحماته أسرى مثله، ولم يبق من الطلقاء إلا كل غر جبان ليس له من الرجولة نصيب وصفه شاعر آخر:أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تهوي من صفير الصافر
وحال الأقصى هذا هو ثمرة لتآمر عالمي اجتمع فيه حقد الشرق والغرب الذي يذكي ناره حيي بن أخطب اليهودي كما أذكى نار الأحزاب من قبل، مندفعاً في ذلك بعقدة السامري الذي استطاع أن يلعب بعقول المتآمرين ويوحدهم على عبادة العجل العصري المسمى بمحاربة الإرهاب.إن المؤامرة على الأقصى مؤامرة قديمة متجددة فبعد انكسار الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي، تجددت هذه المؤامرة انطلاقاً من الفاتيكان، فحين سيطر البرتغاليون على جزيرة "مالقا" في جنوب المحيط الهندي بآسيا عام 1515م احتفل الفاتيكان بذلك معتبرين أن السيطرة على "مالقا" يقربهم من السيطرة على القدس.وحين دخل البريطانيون فلسطين عام 1917 ركل الجنرال "اللنبي" قبر صلاح الدين قائلاً: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين، وعلى نفس الطريق سار الصهاينة لما احتلوا القدس عام 1967 دخلوها وهم يهتفون " محمد مات خلف بنات" " حطوا المشمش ع التفاح دين محمد ولى وراح".إن هذه المواقف الصليبية الصهيونية المتوحدة ضد القدس والأقصى تدل دلالة بالغة على أن الصراع على القدس هو صراع عقدي ديني وليس صراعاً سياسياً أو استعمارياً اقتصادياً، ومن هنا دأب اليهود وحلفاؤهم لعزل الإسلام عن المعركة ليقابلونا بتوراتهم ولا نقابلهم بقرآننا، ويتوحدوا حول هيكلهم ولا نتوحد حول أقصانا،لذا نجد الزعيم الصهيوني "شمعون بيرس" يقول: إن هذه المنطقة لن تنعم بالسلام ما دام الإسلام شاهراً سيفه، ولذا لا بد أن يغمد الإسلام سيفه وإلى الأبد"،أي يريدنا خرافاً يسوقها نحو المسلخ الصهيوني.إن الطريق إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى يجب أن تسير في الاتجاه الصحيح الذي ساره الأوائل " فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ، ويمكن تحديد أبرز معالم هذه الطريق فيما يأتي:لا قدس بلا إسلام ولا إسلام بلا قدس: فلم تعش القدس عزتها وتذق حريتها إلا في ظلال الإسلام، ويوم أن غيب المسلمون دينهم عن الحياة رسفت القدس في أغلال الذلة والاحتلال، وكما يقول أحد الدعاة: بأن القدس هي ترمومتر الأمة الإسلامية إذا ارتفع فالأمة بخير وإذا انخفض فالأمة بشرٍ. ولذا بذل المسلمون الأوائل الجهد الأضخم لتحرير القدس من أيدي الروم فهذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسير لها ثلاثة جيوش(مؤتة وتبوك وبعث أسامة)، أما عمر فسير لها أربعة جيوش دفعة واحدة بقيادة (أبي عبيدة بن الجراح، عمرو بن العاص، خالد بن الوليد،شرحبيل بن حسنة)، واستشهد في هذه المعارك خمسة عشر ألف جندي مسلم، بينما مجموع شهداء المسلمين في فتوحات البلدان الأخرى في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تسعة آلاف فقط، وعلى مستوى شهداء النساء فقد استشهدت خمس عشرة امرأة مسلمة في فتح فلسطين ، وفي باقي المعارك في عهد عمر (رضي الله عنه) ثماني نساء، مما يؤكد المكانة السامية للقدس في نفوس المسلمين الأوائل.وجود القيادة المؤمنة: فطهارة القدس تأبى أن يحررها إلا الطاهرون، ولذا ورد في الحديث "أهل الشام سوط الله في الأرض ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، وأن يموتوا إلا غماً وهماً وغيظاً"، ووصف قاضي صلاح الدين هذا القائد بأنه كان غزير الدمعة خاشع القلب له ورد من كتاب الله، وإذا سمع بملحد في مملكته أمر بقتله، وإذا سمع بنزول العدو في أرض المسلمين التجأ إلى الله قائلاً: إلهي قد انقطعت الأسباب الأرضية عن نصرة دينك ولم يبق إلا الإخلاد لك اللهم نصرك ، فما يمر ذلك اليوم حتى تأتيه أخبار النصر..".الجهاد هو الطريق للتحرير: فلا يعقل أن يقدم الاحتلال لنا القدس على طبق من فضة، فما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، وما يسمى بالسلام هو أكذوبة يتلهى بها صغار الهمم وأطفال السياسة.إن السلام حقيقة مكذوبة والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب
والواقع الحالي يثبت صحة ذلك فما خرج اليهود من غزة وجنوب لبنان إلا بسواعد المجاهدين ودماء الاستشهاديين، وبالمقابل لم تستطع مفاوضات السلام المزعوم منذ قرابة عقدين من الزمان أن تخرج أسيراً أو تحرر شبراً أو توقف استيطاناً أو ترفع حاجزاً أو تلغي جدار العزل ، بل مكنت لكل ذلك وبوتيرة أسرع مما مضى.كانت هذه بعض معالم الطريق إلى القدس وتحرير الأقصى ، سقناها بين يدي اشتداد المؤامرة الصهيوينة على المسجد الأقصى في هذه الأيام، من تهديدات بالاقتحام المتكرر وافتتاح شبكة أنفاق سلوان المجاورة للمسجد الأقصى، وتدريبات للجنود على تسلق جدران المسجد الأقصى، وزيادة للحزام الاستيطاني حول القدس، لكننا نقولها والأمل يحدونا بأن مع العسر يسراً وكلما اشتد الحبل أوشك أن ينقطع، ولا يولد الفجر إلا على أعتاب ليل حالك ، فالنصر قادم والتحرير قائم وما ذلك على الله بعزيز.